خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 12 من جمادى الآخرة 1446 هـ - الموافق 13 / 12 / 2024م
أَوْلِيَاءُ اللهِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران 102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، لَقَدْ أَعْلَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مَنْزِلَةَ الْأَوْلِيَاءِ، وَشَرَّفَ مَكَانَتَهُمْ، وَأَحَلَّ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانَ، وَبَشَّرَهُمْ بِأَعَالِي الْجِنَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[ [يونس:62-64].
فَوَلِيُّ اللَّهِ هُوَ: الْعَالِمُ بِاللَّهِ، الْمُتَقَرِّبُ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ، الْمُسْتَقِيمُ عَلَى أَمْرِهِ، الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ، وَلِيُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ وَصْفَيْنِ عَظِيمَيْنِ: الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، عَظَّمُوا اللَّهَ فِي قُلُوبِهِمْ خَوْفًا وَمَحَبَّةً وَإِجْلَالًا؛ فَأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَعَظَّمَهُمْ فِي قُلُوبِ النَّاسِ؛ فَمَنْ رَآهُمْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ» [رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَمِمَّا يُبَيِّنُ شَرَفَ الْوِلَايَةِ وَعِزَّهَا، وَيُرْشِدُ إِلَى طُرُقِ تَحْصِيلِهَا وَبُلُوغِهَا: مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: (هُوَ أَشْرَفُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ)، فَمَا أَعْظَمَ مَنْزِلَةَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حِينَمَا يُنْذِرُ اللهُ بِالْحَرْبِ لِمَنْ عَادَاهُمْ وَآذَاهُمْ!؛ «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: (فِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ، وَمَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ اللَّهَ، وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ، وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُوَالَاةِ، فَمَنْ وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ).
ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا طَرِيقَ الْوِلَايَةِ وَسَبِيلَ نَيْلِهَا، فَقَالَ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، نَعَمْ، مَا تَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ، وَلَا تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ بِشَيْءٍ أَحَبَّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ فَرَائِضِهِ الَّتِي فَرَضَهَا، وَوَاجِبَاتِهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: أَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، وَالْوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَصِدْقُ النِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
فَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ: فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا الْفَرَائِضَ وَأَتَمُّوهَا، وَشَمَّرُوا إِلَى النَّوَافِلِ فَأَكْمَلُوهَا؛ «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»، فَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ سَعِدَ وَأَفْلَحَ، وَفَازَ وَأَنْجَحَ، أَحَبَّهُ اللَّهَ فَرَزَقَهُ طَاعَتَهُ، وَالِاشْتِغَالَ بِذِكْرِهِ، وَأَوْجَبَ لَهُ مَحَبَّةَ أَهْلِ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ.
وَمَتَى امْتَلَأَ الْقَلْبُ مَحَبَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا زَالَ مِنْ قَلْبِهِ كُلُّ مَا سِوَى مَوْلَاهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَلَا إِرَادَةَ إِلَّا لِمَا يُرِيدُهُ مِنْهُ مَوْلَاهُ؛ فَحِينَئِذٍ يَقُولُ اللَّهُ: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» أَيْ: يُسَدِّدُهُ فِي سَمْعِهِ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يُرْضِي اللَّهَ، وَيُسَدِّدُهُ فِي بَصَرِهِ، فَلَا يَنْظُرُ إِلَّا إِلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَيُسَدِّدُهُ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَلَا يَعْمَلُ إِلَّا مَا يُرْضِي اللهَ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنْ شَرِيفِ مَكَانَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُمْ بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، وَالْوِقَايَةِ مِنَ الشُّرُورِ وَالْآفَاتِ، فَإِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ بِحَاجَةٍ أَجَابَ اللَّهُ سُؤْلَهُ، وَأَعَاذَهُ إِذَا اسْتَعَاذَهُ، وَنَصَرَهُ إِذَا اسْتَنْصَرَهُ؛ قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».
وَتَعْظُمُ مَنْزِلَةُ هَذَا الْوَلِيِّ حَتَّى إِنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- يَكْرَهُ أَذَاهُ وَمَسَاءَتَهُ؛ فَالْمَوْتُ حَقٌّ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْبَشَرِ، وَالْبَشَرُ يَكْرَهُونَ الْمَوْتَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ، فَيَرْحَمُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَيَلْطُفُ بِهِمْ، وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَيُحْسِنُ لَهُمُ الْخِتَامَ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْرَمَهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَمَا أَسْعَدَهُ بِحِفْظِهِ!!.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُنَالُ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَالْمُتَّقُونَ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؛ ] وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ[ [الجاثية:19].
قَالَ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ عَطَاءٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِظَمُ قَدْرِ الْوَلِيِّ؛ لِكَوْنِهِ خَرَجَ عَنْ تَدْبِيرِهِ إِلَى تَدْبِيرِ رَبِّهِ، وَعَنِ انْتِصَارِهِ لِنَفْسِهِ إِلَى انْتِصَارِ اللَّهِ لَهُ، وَعَنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ بِصِدْقِ تَوَكُّلِهِ).
وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدَ نَفِيسَةً، وَدَلَائِلَ عَظِيمَةً.
فَفِيهِ التَّحْذِيرُ لِكُلِّ مَنْ يُؤْذِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُصْلِحِينَ، وَمِنَ الدُّعَاةِ وَالصَّالِحِينَ، سَوَاءٌ آذَاهُمْ وَتَعَرَّضَ لَهُمْ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ قَلَمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ آذَنَهُ بِالْحَرْبِ.
وَمِنَ الْفَوَائِدِ: الْخَطَأُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْكَثِيرُ مِمَّنْ يُهْمِلُ الْفَرَائِضَ وَيَجْتَهِدُ فِي النَّوَافِلِ؛ فَإِنَّ الْفَرَائِضَ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ، تَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ يُحَافِظُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ، وَيَتَنَفَّلُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لَكِنَّهُ يُهْمِلُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ بَقِيَّةَ الْعَامِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، لَكِنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الطُّرُقَ الْمُحَرَّمَةَ فِي كَسْبِهِ مِنْ رِبًا وَغِشٍّ وَخَدِيعَةٍ! فَمَنْ حَافَظَ عَلَى النَّوَافِلِ، وَأَهْمَلَ الْفَرَائِضَ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي الْحَدِيثِ: النَّهْيُ عَنِ الْبِدَعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِمَا شَرَعَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَعَبَّدَ مُتَعَبِّدٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَفْضَلَ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا افْتَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَشَرَعَهُ وَبَيَّنَهُ لَهُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَلَوْ كَانَ قَصْدُ الْفَاعِلِ حَسَنًا.
وَمِنْ هِدَايَاتِ الْحَدِيثِ: الْإِلْمَاحُ إِلَى مَا يَحْتَاجُهُ الْعَبْدُ مِنْ تَسْدِيدِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ فَالْمَعَاصِي كَثِيرَةٌ، وَالْفِتَنُ مُحِيطَةٌ، «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا»، فَيَا تُرَى كَيْفَ سَيَكُونُ حَالُ الْعَبْدِ إِذَا فَقَدَ تَوْفِيقَ اللَّهِ وَتَسْدِيدَهُ؟!. وَكَمْ سَيَكُونُ تَخَبُّطُهُ فِي الْإِثْمِ وَالْفِتَنِ إِذَا خَرَجَ عَنْ حَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ؟!.
فَالْجَؤُوا- مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ، وَافْزَعُوا إِلَيْهِ بِدُعَائِهِ وَذِكْرِهِ، وَأَلِحُّوا عَلَيْهِ بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَأَمْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ لَنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة